الربا

الفصل الأول: التحذير من الربا

لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة، وبما أن كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم هما المصدران الصافيان، اللذان من أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما، فقد فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكاً وسيحشر يوم القيامة أعمى، ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة، والله المستعان، وعليه التكلان.

1ـ قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275].

2ـ وقال سبحانه وتعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276].

3ـ وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278،279].

قال ابن عباس – رضي الله عنهما – (هذه آخر آية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم) [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/314].

4ـ وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130].

5ـ وقال سبحانه وتعالى في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به قال سبحانه في ذلك: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء، الآية: 161].

6ـ وقال عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم، الآية: 39].

7ـ وعن جابر رضي الله عنه قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ [مسلم 3/1218 برقم 1597].

8 ـ وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا“ [البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313].

9ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“[البخاري مع الفتح 5/393 برقم 2015، ومسلم برقم 89].

10ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة“ [سنن ابن ماجه 2/765 برقم 2279 وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير 5/120 ”إنه حديث صحيح“].

11ـ وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات“ [سنن أبي داود 3/244 برقم 3334].

ففي هذا الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرّدّ والتّنكير، وأنّ الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأسه ماله، ويضع الربا، فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يتعرض لهم فيما مضى، وقد عفا الله عن الماضي، فالإسلام يجبّ ما قبله من الذنوب [انظر عون المعبود بشرح سنن أبي داود 9/183].

12ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام“ [البخاري مع الفتح 4/313 برقم 2083 و4/296، برقم 2059 باب من لم يبال من حيث كسب المال]أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا تحذيراً من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذّمّ من جهة التّسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو والله أعلم [انظر الفتح 4/297].

13ـ وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر“ [البخاري مع الفتح 4/426 برقم 2228].

14ـ وعن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم“ [أخرجه الحاكم في المستدرك 2/37 وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرنؤوط: صححه الحافظ العراقي، انظر حاشية 8/55 من شرحه السنة للبغوي تحقيق زهير وشعيب الأرنؤوط. وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه 2/27، وانظر: كلام العلامة ابن باز في ص138 من هذا الكتاب].

15ـ ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية“ [أخرجه أحمد 5/225، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/29، برقم 1033، وقال شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي: صحيح الإسناد 2/55، وهذا إسناد أحمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جيرير – يعني ابن حازم – عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله الحديث].

16ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله“ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37].

الفصل الثاني: ربا الفضل

أ ـ  بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص:

1ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تبيعوا الذهبي بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض [أي لا تفضلوا بعضها على بعض، والشف الزيادة ويطلق أيضاً على النقصان فهو من الأضداد. من تعليق محمد فؤاد على مسلم 3/1208]ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز“ [البخاري 3/31 برقم 2177 ومسلم 3/1208 برقم 1584]. والمراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجّل.

2ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين“ [مسلم 3/1209 برقم 1585].

3ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء“ [مسلم 3/1211 برقم 1584].

4ـ وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1210 برقم 1587، والترمذي 3/532، وأبو داود 3/248].

5ـ وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع فلما جاء معمراً أخبره بذلك. فقالله معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الطعام بالطعام مثلاً بمثل“ قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيلله: فإنه ليس بمثله قال: إني أخاف أن يضارع [مسلم 3/1214 برقم 1592].

واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحداً لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً. أما مذهب الجمهور فهو خلاف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى، فإن الجمهور على أن الحنطة صنف، والشعير صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد، كالحنطة مع الأرز، ومن أدلة الجمهور قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1211 برقم 1587، وانظر: شرح النووي 11/14].

6ـ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد، وأما نسيئة فلا“ [سنن أبي داود 3/248 برقم 3349، وانظر: عون المعبود 3/198]. وأما حديث معمر السابق فلا حجة فيه كما قال ذلك الإمام النووي رحمه الله، لأنه لم يصرح بأن البر والشعير جنس واحد وإنما خاف من ذلك فتورع عنه احتياطاً [انظر شرح النووي 11/20].

وعلى هذا فلا إشكال في ذلك والحمد لله، فيكون الشعير جنساً مستقلاً، والبر جنساً آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد والقبض قبل التفرق.

7ـ وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة، وأبا سعيد حدثاه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب [نوع من التمر من أعلاه وأجوده]فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أكلّ تمر خيبر هكذا“؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع [نوع من التمر الرديء وقد فسر بأنه الخليط من التمر]، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان“ [مسلم 3/1215 برقم 1593].

8 ـ وعن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني فقالله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من أين هذا“؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك ”أوّه [كلمة توجع وتحزن]، عين الربا [عين الربا: أي حقيقة الربا المحرّم]، لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر ثم اشترِ به“ [البخاري، برقم 2201، 2202، ومسلم 3/1215 برقم 1594].

9ـ وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الخلط [أي المجموع من أنواع مختلفة وإنما خلط لرداءته]من التمر، فكنا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين“ [مسلم 3/1216 برقم 1595].

10ـ عن فضالة بن عبيد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أُتِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز، وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالذهب الذي في القلادة فنُزعَ وحده، ثم قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب وزناً بوزن“ [مسلم 3/1213 برقم 1591، وانظر: شرح النووي 11/17].

11ـ وعن فضالة أيضاً قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصّلتها [ميّزت ذهبها وخرزها]فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”لا تباع حتى تفصل“ [مسلم 3/1213 برقم 1591، وانظر: شرح النووي 11/18].

ففي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، فيباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة لا تباع مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها، وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة (مُدُّ عَجْوَة) وصورتها باع مدّ عجوة ودرهماً بمدي عجوة أو بدرهمين لا يجوز، لهذا الحديث. وهذا منقول عن عمر بن الخطاب وابنه، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل [انظر شرح النووي 11/17].

ب -  حكم الربا:

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه“ [شرح النووي على مسلم 11/9]. ونص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.

قال أهل الظاره: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس.

وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة.

واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة:

فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها لعدم المشاركة، والعلة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم.

ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة.

أما في الأربعة الباقية فقال: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له.

وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلة في الذهب، والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون... وإلى كل مكيل.

ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة، أو مكيلة، بشرط الأمرين [انظر شرح النووي 11/9].

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ”اتفق جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة على أنه لا يباع الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، بجنسه إلا مثلاً بمثل، إذ الزيادة على المثل أكل للمال بالباطل“ [فتاوى ابن تيمية 20/347، وانظر: الشرح الكبير، 12/11، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، 12/11، وشرح الزركشي 3/414].

وأجمع العلماء كذلك على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وأجمعوا على أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه – كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر – أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير [انظر شرح النووي 11/9]. وقال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – في حكم الربا: ”وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع“ [المغني 6/51].

والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة: هو مطلق الثمنية، أما الأربعة الباقية فكل ما اجتمع فيه الكيل، والوزن، والطعم من جنس واحد ففيه الربا، مثل: البر، والشعير، والذرة، والأرز، والدخن.

وأما ما انعدم فيه الكيل، والوزن، والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم، مثل: القت، والنوى [وانظر المغني لابن قدامة 6/53، ونيل الأوطار للشوكاني 6/346-358].

ج ـ  أسباب تحريم الربا وحِكَمهُ:

لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

ومن هذه الأسباب ما يأتي:

1ـ الربا ظلم والله حرم الظلم.

2ـ قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.

3ـ الربا فيه غبن.

4ـ المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.

5ـ الربا مضاد لمنهج الله تعالى [الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص93].

الفصل الثالث: ربا النسيئة

أ ـ  تعريف ربا النسيئة:

ربا النسيئة:هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية، لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل، على أن يأخذ منه كل شهر قدراً معيناً، ورأس المال باق بحاله، فإذا حلّ طالبه برأس ماله، فإن تعذر عليه الأداء زاد في الحق والأجل، وتسمية هذا نسيئة مع أنه يصدق عليه ربا الفضل، لأن النسيئة هي المقصودة منه بالذات.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يحرم إلا ربا النسيئة محتجّاً بأنه المتعارف بينهم [انظر تفسير المنار 4/124].

وسيأتي ذكر أدلة رجوعه عن قوله رضي الله عنه قريباً وانضمامه إلى الصحابة في تحريم ربا الفضل، وربا النسيئة جميعاً، فلا إشكال في ذلك ولله الحمد والمنة.

ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص:

لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل.

أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.

عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلتله: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلتله: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا في النسيئة“ [مسلم 3/1217 برقم 1596، وانظر: شرح النووي 11/25].

وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا إنما الربا في النسيئة“ [البخاري 3/31 برقم 2178 ورقم 2179، ولفظ البخاري (لا ربا إلا في النسيئة) وانظر الفتح 4/381، ومسلم 3/1218، وشرح النووي 11/24].

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة بن زيد ”إنما الربا في النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض، متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه.

وأما حديث أسامة ”لا ربا إلا في النسيئة“ فقال قائلون: بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“ [شرح النووي 11/25].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ”اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: منسوخ. لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.

وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد، لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدّم. والله أعلم“ [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/382].

فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة فلا إشكال في ذلك ولله الحمد.

الفصل الثالث: الحث عن الابتعاد عن الشبهات

لا شك أن المسلم دائماً ينبغي أن يكون حريصاً على التزام أمور الشرع كلها، فيعمل الواجبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، ويأخذ بالمستحبات، ويأخذ ويترك من المباحات على حسب حاله، وحاجته، ويبتعد عن الشبهات، لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات.

عن النعمان بن بشير قال: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ”إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيها، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب“ [البخاري 1/19 برقم 52، ومسلم 3/1219 برقم 1599].

قال الإمام النووي رحمه الله: ”أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ”الأعمال بالنية“ [البخاري 1/2 برقم 1، ومسلم 3/1515 برقم 1907]وحديث ”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“ [موطأ الإمام مالك 3/903].

وقال أبو داود: الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“ [البخاري 1/9 برقم 13، ومسلم 1/67 برقم 45].

وقيل حديث: ”ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس“ [سنن ابن ماجه 2/1374 برقم 4102، قال النووي: رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة، انظر شرح النووي 11/28].

قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلّى الله عليه وسلّم نبه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحمى. ثم بيّن أهمّ الأمور وهو مراعاة القلب... فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.

وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الحلال بيّن والحرام بيّن“ فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:

حلال بيّن واضح. لا يخفى حله كالخبز، والعسل...

وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب...

وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل، ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك...) [شرح النووي ببعض التصرف 11/28].

وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم:

مسندات من قول خير البرية

 

عمدة الدين عندنا كلمات

ما ليس يعنيك، واعملن بنية*

 

اترك الشبهات، وازهد، ودع

 

* [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/129]

نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية:

س:المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟

جـ:يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره، لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [فتاوى إسلامية 2/412].

اللجنة الدائمة

الباب الخامس

مفاسد الربا

وأضراره وأخطاره وآثاره

لا شكّ أنّ للرّبا أضرار جسيمة، وعواقب وخيمة، والدين الإسلامي لم يأمر البشرية بشيء إلا وفيه سعادتها، وعزّها في الدنيا والآخرة، ولم ينهها عن شيء إلا وفيه شقاوتها، وخسارتها في الدنيا والآخرة، وللربا أضرار عديدة، منها:

1ـ الرباله أضرار أخلاقية وروحية، لأننا لا نجد من يتعامل بالربا إلا إنساناً منطبعاً في نفسه البخل، وضيق الصدر، وتحجر القلب، والعبودية للمال، والتكالب على المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة.

2ـ الرباله أضرار اجتماعية، لأن المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع منحل، متفكك، لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يساعد أحد غيره إلا إذا كان يرجو من ورائه شيئاً، والطبقات الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة.

ولا يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته، ولا استتباب أمنه، بل لا بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك، والتشتت في كل حين من الأحيان.

3ـ الرباله أضرار اقتصادية، لأن الربا إنما يتعلق من نواحي الحياة الاجتماعية بما يجري فيه التداين بين الناس، على مختلف صوره وأشكاله.

والقروض على أنواع:

أ ـ  قروض يأخذها الأفراد المحتاجون، لقضاء حاجاتهم الذاتية، وهذا أوسع نطاق تحصل به المراباة ولم يسلم من هذه الآفة قطر من أقطار العالم إلا من رحم الله، وذلك لأن هذه الأقطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف التي ينال فيها الفقراء، والمتوسطون القرض بسهولة، فكل من وقع من هؤلاء في يد المرابي مرة واحدة لا يكاد يتخلص منه طول حياته، بل لا يزال أبناؤه، وأحفاده يتوارثون ذلك الدين [انظر الربا لأبي يعلى المودودي ص40].

ب ـ  قروض يأخذها التجار، والصّنّاع، وملاك الأراضي لاستغلالها في شؤونهم المثمرة.

ج ـ  قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في البلاد الأخرى لقضاء حاجاتها.

وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة، والتعاسة مدة حياته، سواء كانت تلك القروض لتجارة، أو لصناعة، أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول الغنية، فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة التي لا يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات، وما ذلك إلا لعدم اتباع المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المائدة، الآية: 2].

وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالتراحم، والتعاطف والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام: ”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه“ [البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585].

وقال عليه الصلاة والسلام: ”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعىله سائر الجسد بالسهر والحمى“[البخاري 7/77، برقم 6011، ومسلم 4/1999 واللفظ له برقم 2586].

فلا نجاة، ولا خلاص، ولا سعادة، ولا فكاك من المصائب، إلا باتباع المنهج الإسلامي القويم واتباع ما جاء به من أحكام، وتعاليم.

4ـ انعكاس الربا على المجتمعات الإسلامية، وتقدم توضيحه.

5ـ تعطيل الطاقة البشرية، فإن البطالة تحصل للمرابي بسبب الربا.

6ـ التضخم لدى الناس بدون عمل.

7ـ توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة، وبذلك يحصل الإسراف.

8 ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم، وهذا من أخطر ما أصيب به المسلمون، وذلك لأنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر، وهذا الإيداع يجرّد المسلمين من أدوات النشاط، ويعين هؤلاء الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين، والاستفادة من أموالهم [انظر الربا، وآثاره على المجتمع الإنساني، للدكتور عمر بن سليمان الأشقر].

9ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود، قال الله عز وجل: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [سورة النساء، الآية: 161، وانظر ص15].

10ـ الربا من أخلاق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع في صفة من صفاتهم [انظر الفصل الثالث من الباب الأول (الربا في الجاهلية)].

11ـ آكل الربا يبعث يوم القيامة كالمجنون، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة، الآية: 275].

12ـ يمحق الله أموال الربا ويتلفها، قال الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة، الآية: 276]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل“ [أحمد في المسند 1/395، 424، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/37، وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند برقم 3754].

13ـ التعامل بالربا يوقع في حرب من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة، الآيتان: 278، 279].

14ـ أكل الربا يدلّ على ضعف التّقوى أو عدمها، وهذا يسبب عدم الفلاح ويوقع في خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران، الآيات: 130-132].

15ـ أكل الربا يُوقع صاحبه في اللعنة، فيبعد من رحمة الله تعالى، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ [أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه 3/1218 برقم 1597].

16ـ آكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهرٍ من دم، وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في وسط نهر الدم، وفي الحديث عن سمرة رضي الله عنه بعد أن ساق الحديث بطوله فقيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ”الذي رأيته في النهر آكل الربا“ [أخرجه البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313].

17ـ أكل الربا من أعظم المهلكات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“ [متفق عليه: البخاري برقم 2615، والبخاري مع الفتح 5/393 برقم2015، ومسلم برقم 89].

18ـ أكل الربا يسبب حلول العذاب والدمار، فعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله“ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37، وحسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، ص203 برقم 344].

19ـ الربا ثلاثة وسبعون باباً من أبواب الشر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم“ [أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي 2/37، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/186، وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم 2274 ولفظه: ”الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه“ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/27، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي 8/55: ”صححه الحافظ العراقي“ وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه برقم 2275 ولفظه: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً“ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/28، وقال العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله: ”وعند ابن ماجه: الربا ثلاثة وسبعون باباً، وهي صحيحة ولم يزد على ذلك... ورواه أبو داود بإسناد جيد عن سعيد بن زيد مرفوعاً: ”إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق“ 4/269، وزيادة ”أيسرها كأن ينكح الرجل أمه“ فيها نظر، وقد رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهذا مما يوجب الحذر، والتمثيل بالأم يدل على عظم الذنب، والتمثيل بالعرض يدل على أن الربا لا يختص بالمال، وأنه يدخل في الربا: الغيبة، والنميمة، وتعاطي ما حرّم الله من الفواحش الأخرى“ انتهى كلام ابن باز حفظه الله، من تعليقه على الحديث رقم 851 من بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله].

20ـ الربا معصية لله ورسوله، قال الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور، الآية: 63]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سورة النساء، الآية: 14]. وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [سورة الأحزاب، الآية: 36]. وقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}